أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة ، بتاريخ: 9 ربيع الآخر 1441هـ – 6 ديسمبر 2019م.

 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة ، بصيغة word  أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن الدروس الدينية

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة : كما يلي:

عناصر خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير : الأسباب والمسببات وأثرها في نهضة الأمة :

العنصر الأول: الأسباب والمسببات سنة كونية من سنن الله في الحياة

العنصر الثاني: الأخذ بالأسباب صور ونماذج مشرقة

العنصر الثالث: دعوة أفراد الأمة إلى العمل والاجتهاد والأخذ بالأسباب

    المقدمة:                                                            أما بعد:

 

خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير

العنصر الأول: الأسباب والمسببات سنة كونية من سنن الله في الحياة

أيها المسلمون: إن من سنن الله تعالى في هذا الكون الفسيح أنه خلق الأسباب وسبَّبها وأوجد مسبَّباتها بها، فجعل النكاح سبباً للولد، والبذر سبباً للزرع، وجعل شرب الماء سبباً للري، وجعل الأكل سبباً للشِّبَع، وجعل الجد والاجتهاد سبباً للنجاح، وجعل الكسل والتواني سبباً للفشل، وجعل النار سبباً للإحراق، وجعل قطع الرأس سبباً للموت وهكذا.

وهذه الأسباب يستوي فيها المسلم والكافر والبر والفاجر، فمن شرب روي، ومن أكل شبع، ومن اجتهد حصَّل، ومن زرع حصد،… إلى آخره.

فهذه الأسباب ومسبَّباتها كلها خلق الله، هو الذي خلقها وجعلها أسبابا بسعة علمه وعظيم حكمته ليجري الكون على هذه الأسباب؛ ولهذا يجب على المتوكل على الله أن يأخذ بما يستطيع من الأسباب، ولو خلق الله الكون بغير نظام وسنن لا تتخلف لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن؛ قال الله تعالى: { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ } [المؤمنون:71] .

فعليك أخي المسلم أن تأخذ بالأسباب ولكن لا تعتمد عليها:

ولا تعتقد أنها تسبب الأمور بذاتها بل بقدرة الله تعالى وإرادته ؛ يقول أحد السلف : ” التفات القلب إلى الأسباب قدح في التوحيد، ومحو الأسباب قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع “.

ومعنى ذلك : أن الاعتقاد الجازم بأن الأسباب في ذاتها هي مسببة دون قدرة الله ومشيئته قدح في التوحيد ؛ لأنها لا تسبب بذاتها ولكن بقدرة الله وإرادته ؛ فالنار سبب الإحراق ؛ ولكنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام حين ألقي فيها ؛ لأن الله سلب منها صفة الإحراق كرامةً ونجاةً له عليه السلام ؛ ولو أحرقت لكانت المضرة ؛ فقد تأخذ بالأسباب ولا يتحقق المسبب لخير أراده الله لك وخفي عليك ؛ وهذا معنى قوله تعالى:

{ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } (البقرة: 216) .

يقول الإمام ابن كثير :

” هذا عام في الأمور كلّها، قد يُحِبّ المرءُ شيئًا، وليس له فيه خيرة ولا مصلحة. ومن ذلك القُعُود عن القتال، قد يَعْقُبُه استيلاء العدو على البلاد والحكم. ثم قال تعالى: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } أي: هو أعلم بعواقب الأمور منكم، وأخبَرُ بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم؛ فاستجيبوا له، وانقادوا لأمره، لعلكم ترشدون. ”

فينبغي على المسلم في عمله أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلاً على الله؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” (الترمذي وحسنه).

أحبتي في الله: إن كثيرا من الناس يقعد في بيته وينتظر الرزق مع أنه لم يأخذ بالأسباب ولم يسع عليه فكيف يأتيه؟!! لذلك رأى عمر رضي – رضي الله عنه- قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10).

وروى ابن أبي الدنيا في “التوكل” بسنده عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب، لقي ناساً من أهل اليمن، فقال:

من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: بل أنتم المتكلون، إنما « المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله ».

وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟! قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.

وهكذا ظهر لنا بوضوح أن الأسباب ومسبباتها سنة كونية في الحياة ؛ وأنه يجب على الإنسان أن يأخذ بالأسباب في حياته كلها ؛ متوكلاً على الله خالق الأسباب والمسببات .

العنصر الثاني: الأخذ بالأسباب صور ونماذج مشرقة

أيها المسلمون: تعالوا بنا في هذا العنصر لنعرض لكم صوراً ونماذج مشرقة من الأخذ بالأسباب في حياة الأنبياء والصالحين والطيور والحشرات ؛ لنأخذ منها العبرة والعظة ونطبقها على أرض الواقع في حياتنا العملية:

الأخذ بالأسباب في حياة الأنبياء عليهم السلام: إننا لو نظرنا إلى جميع الأنبياء لوجدنا أن لهم دوراً بارزاً في الأخذ بالأسباب والعمل والكسب والاحتراف؛ فقد كان لكل واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً حرفة يعيش بها، فهذا آدم – عليه السلام – كان حراثاً وحائكاً، وكانت حواء تغزل القماش، وكان إدريس خياطاً وخطاطاً، وكان إلياسُ – عليه السلام – نسَّاجًا، وكان نوح وزكريا نجارين، وكان هود وصالح تاجرين، وكان إبراهيم زارعاً وبناءً، وكان أيوب زراعاً، وكان داود زراداً – أي يصنع الزرد – وهو درع من حديد يلبسه المحارب.

وكان سليمان خواصاً؛ وكان موسى وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم السلام يعملون بمهنة رعي الأغنام. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟! فَقَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ “( البخاري).

أحبتي في الله:

هذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين؛ ضرب لنا أروع الأمثلة في الأخذ بالأسباب والعمل والكسب والاحتراف؛ فكان يقوم بمهنة أهله، يغسل ثوبه، ويحلب شاته، ويرقع الثوب، ويخصف النعل؛ ويعلف بعيره، ويأكل مع الخادم، ويطحن مع زوجته إذا عييت ويعجن معها، وكان يُقطِّع اللحم مع أزواجه، ويحمل بضاعته من السوق.

ونحر في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة بيده، وكان ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه، وكان ينقل مع صحابته اللبن – الطوب الترابي- أثناء بناء المسجد، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل والبناء والتعمير؛ فقام المهاجرون والأنصار وعملوا بجد ونشاط حتى قال أحدهم:

لئن قعدنا والنبي يعمل……………… لذاك منا العمل المضلل

وإنك لو نظرت إلى الهجرة وسألت نفسك سؤالا: لماذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم سرا بينما هاجر عمر بن الخطاب فى وضح النهار..؟!! متحديا قريش بأسرها، وقال كلمته المشهورة التى سجلها التاريخ فى صفحات شرف وعز المسلمين وقال متحديا لهم :

“من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي” فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه، فهل كان عمر بن الخطاب أشجع من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؟!! نقول لا:

لأنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق على الإطلاق، ولكن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب النجاة من التخطيط والتدبير والهجرة خفية واتخاذ دليل فى الصحراء، ليعطينا درسا بليغا في الأخذ بالأسباب مع الأمل والثقة في الله والتوكل عليه. أيعجز ربنا أن يحمل نبيه في سحابة من مكة إلى المدينة في طرفة عين كما في الإسراء والمعراج ؟!! 

وانظر إلى السيدة مريم عليها السلام قال الله فيها :

{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} (مريم:23- 26). تأملت في هذه الآية وقلت: امرأة جاءها المخاض ( طلق الولادة ) ومع ذلك أمرها الله بهز النخلة والأخذ بالأسباب، مع أنك لو جئت بعشرة رجال ذي جلد وقوة ما استطاعوا إلَّا رمياً بالحجارة، والله قادر على أن ينزل لها مائدة عليها أشهى المأكولات؛ ولكن الله أراد أن يعطينا درساً بليغاً في الأخذ بالأسباب مع الأمل والثقة في الله والتوكل عليه.

الأخذ بالأسباب في حياة الصحابة والسلف الصالح: إن العمل الكسب والاحتراف لم يكن في حياة الأنبياء فقط ؛ بل ربي النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام على الجد والاجتهاد والعمل والاحتراف من أجل البناء والتعمير، فكان لكل واحد منهم مهنة يتكسب بها؛ فهذا أبو بكر الصديق كان تاجر أقمشة؛ وكان عمر بن الخطاب دلالاً؛ وعثمان بن عفان تاجراً؛ وعلى بن أبى طالب عاملاً؛ وكان يقول مفتخراً:

لنقلُ الصخر من قلل الجبال ………………….أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرَّجَالِ

يَقُولُ النَّاسُ لي في الكسْبِ عارٌ……………….. فقلت العار في ذل السؤال

كما كان عبد الرحمن بن عوف تاجراً؛ والزبير بن العوام خياطاً ؛ وسعد بن أبى وقاص نبالاً أي يصنع النبال؛ وعمرو بن العاص جزاراً؛ وخباب بن الأرت حدادًا، وعبد الله بن مسعود راعيًا، والزبير بن العوام خياطًا، وبلال بن رباح وعمار بن ياسر كانا خادمين، وسلمان الفارسي كان حلاقًا ومؤبرًا للنخل، وخبيرًا بفنون الحرب، والبراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا تاجرين. (راجع فتح الباري لابن حجر) .

ومع أنهم دعاة حملوا مشاعل الهداية والنور للأمة؛ إلا أنهم سعوا للكسب والاحتراف من أجل بناء المجتمع .

أحبتي في الله: أسوق لكم قصة جميلة عن سلفنا الصالح في الأخذ بالأسباب وعدم الكسل والركود والاعتماد على صدقات المحسنين: يروى أن شقيقاً البلخي، ذهب في رحلة تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق:

رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة، قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي، وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له العظام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت:

إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى؟ فقام شقيق إلى إبراهيم وقبّل يده، وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق، وعاد إلى تجارته.

 هؤلاء قد فهموا الإسلام، عملاً وتعباً، جهداً وبذلاً:

لم يفهموا الإسلام تقاعساً ولا كسلاً، ولا دعة ولا خمولاً، وذلك لأن الإسلام رفع من شأن صاحب اليد العليا، ولا يريد لأتباعه أن يكونوا عالة على غيرهم.

الأخذ بالأسباب في حياة الطير والحشرات: ففي حياة الطير تجد أن الطيور كلها تسعى على رزقها متوكلة على الله دون تقاعس أو كسل أو تواكل ؛ حتى حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على أن نحتذي بها ؛ فعن عمر رضي الله عنه قال : قال  رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ” لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ” [أخرجه الترمذي].

 وفي حياة الحشرات نجد النملة أصغر الحشرات تسعى بجد واجتهاد في الأخذ بالأسباب والسعي على المعيشة وطلب رزقها ؛ ففي حياة النملة عبرة لقوم يعقلون ؛ كفاح وصبر وإصرار ومثابرة ومواصلة، ثم إن النملة لها من الاحتيال لنيل مطلوبها ما يفوق الوصف، فقد ذكر من ألف عن النملة أنها تدخر قوتها من الصيف إلى الشتاء لأنها لا تخرج في الشتاء ؛ فتخزن قوت الشتاء ولا تأكله إلا في حينه ؛ وخوفاً من أن ينبت الحب المخزون، تقوم بإذن الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى بكسر الحبة من وسطها نصفين لئلا تنبت.

 وإذا مرت في طريقها بخليج ماء صغير:

لا تستطيع عبوره تشكل النمل مع مجموعة منها جسراً فوق الماء حيث تتشابك النمل فوق معبر الماء كالجسر ؛ فإذا مرت جميع النمل من فوق هذا الجسر انسحب جسر النمل إلى الطرف الآخر ؛ فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى !!

والنملة لا تتغذى من الحب على ما جمعته غيرها، يعني ما عند النمل تواكل، ما عنده كسل، ما عند النمل أن الواحد يعيش كسلان على حساب الآخرين، كل النمل يسعى ويعمل، كل الأمة تجد وتجتهد، أما نحن البشر تجد فينا تكاسلاً .

 أفلا تَعَلَّمنا النشاط والحركة والأخذ بالأسباب من هذه الحشرة الصغيرة ( النملة ) ؟!!!
وفي ختام هذا العنصر أسوق لكم هذا الموقف المعاصر وهذه الحيلة للنمل في إصراره على الوصول إلى رزقه:

فمرة جاء شخص بإناء عسل، وجاء بطست كبير، ووضع فيه الماء، ووضع إناء العسل في الوسط حتى لا يصل إليه النمل، ثم جاء ودخل الغرفة فوجد النمل على العسل، فنظر فإذا النمل لما رأى العسل، فكر فصعد الحائط، وتسلقه ثم مشى على السقف فلما حاذى الإناء سقط عليه، فهذا تدبير النمل للحصول على القوت، وطلب الرزق، واتخاذ الحيلة للوصول إلى المطلوب. أما بعض البشر ما عنده استعداد أن يتحرك خطوتين لطلب رزقه، فسبحان الله!!

وانظر إلى الحية في الصحراءِ إذا لم تجدْ طعاماً ، نصبت نفسها كالعودِ ، فيقعُ عليها الطائرُ فتأكلهُ .

فهلا أخذنا العظة والعبرة من الطيور والحشرات في السعي على الرزق والأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى ؟!!

 

تابع : خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير

العنصر الثالث: دعوة أفراد الأمة إلى العمل والاجتهاد والأخذ بالأسباب

عباد الله: لقد حث الإسلام على السعي والكسب من أجل الرزق؛ قال تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } ( الملك: 15)؛ ويقرر الإسلام أن حياة الإيمان بدون عمل هي عقيم كحياة شجر بلا ثمر ، فهي حياة تثير المقت الكبير لدي واهب الحياة الذي يريدها خصبة منتجة كثيرة الثمرات.

 فالإسلام لا يعرف سناً للتقاعد، بل يجب على المسلم أن يكون وحدة إنتاجية ما دام قادراً على العمل، بل إن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بينه وبين القيام بعمل منتج، وفي ذلك يدفعنا النبي صلى الله عليه وسلم دفعاً إلى حقل العمل وعدم الركود والكسل. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فليغرسها”. [ أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ].

 كما حث الإسلام على اتخاذ المهنة للكسب مهما كانت دنيئة فهي خير من المسألة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ فَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ” (الترمذي وحسنه).

لذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهتم بالعمل والترغيب فيه فيقول: ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلىَّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري، وكان إذا رأي فتى أعجبه حاله سأل عنه: هل له من حرفة ؟ فإن قيل : لا. سقط من عينيه .وكان إذا مدح بحضرته أحد سأل عنه : هل له من عمل؟ فإن قيل : نعم .قال :

إنه يستحق المدح . وإن قالوا : لا. قال : ليس بذاك . وكان يوصي الفقراء والأغنياء معاً بأن يتعلموا المهنة ويقول تبريرا لذلك:- فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنة، وإن كان من الأغنياء.

وكان  كلما مر برجل جالس في الشارع أمام بيته لا عمل له أخذه وضربه بالدرة وساقه إلى العمل وهو يقول:

إن الله يكره الرجل الفارغ لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة. وكان يقول أيضاً: “مكسبةُ في دناءة خيرٌ من سؤال الناس؛ وإن الله خلق الأيدي لتعمل فإن لم تجد في الطاعة عملا وجدت في المعصية أعمالا “. وكان سعيد بن المسيب يتاجر بالزيت ويقول: والله ما للرغبة في الدنيا ولكن أصونُ نفسي وأصل رحمي.”، وكان إبراهيم بن أدهم إذا قيل له : كيف أنت ؟ قال : بخير ما لم يتحمل مؤنتي غيري. (إحياء علوم الدين – الإمام الغزالي).

إِذَا ما الْمَرْءُ لَمْ يَطْلُبْ مَعَاشًا ………………….وَلَمْ يَتَحَاشَ مِنْ طُولِ الْجُلُوسِ

جَفَاهُ الأَقْرَبُونَ وَصَــارَ كَلّاً ……………………عَلَى الإِخْــــــوَانِ كَالثَّوْبِ اللَّبِيسِ

وَمَا الأَرْزَاقُ عَنْ جَلَدٍ وَلَكِنْ ………………….بِمَا قَــــــــــدَرَ الْمُقَدِّرُ لِلنِّـــــــــــــــــــفُوسِ

عباد الله: إن أثر العمل ليس قاصراً على الكفاف والاغتناء عن الناس فقط، بل يعتبره الإسلام تكفيراً عن الذنوب، فقد قال بعض السلف: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهم في طلب المعيشة.

أحبتي في الله:

إن أجسام الناس ما هي إلا آلات يجب إعمالها وعدم تعطيلها وإلا دمرها العجز والخور والشلل ، وصارت إلى الموت البطئ والاسترخاء والصدأ، وتحولت إلى أداة تعويق للحياة الاجتماعية ونموها، بدلاً من أن تكون أداة قوة ونماء وازدهار، وهذا ما كان يغرسه الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه:

حينما يتوجع أحدهم أو يتمارض أو يركن إلى الخمول والكسل، معتمدا في ذلك على صدقات المحسنين، مع قدرته على الكسب والعمل، فإذا جاءَ أحدُهم إليه صلى الله عليه وسلم يسألُه مالاً، وكانَ قوياً على العملِ وجهَّه إلى العملِ وحثَّه عليه، وبيَّن له أن العملَ مهما كانَ محتقراً في أعينِ الناسِ فهو أشرفُ للإنسانِ من التسولِ والمسألةِ، ومما يُروى في ذلكَ أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال:

«أما في بيتك شيءٌ؟» قال:

بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: «ائتني بهما»، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: «من يشتري هذين؟» قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: «من يزيدُ على درهمٍ؟» -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: «اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به»، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ:

«اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً»، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  «هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ» (رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه).

فالرسول صلى الله عليه وسلم لقن هذا الرجل درساً لا ينساه:

وبهذا سد الرسول صلى الله عليه وسلم باباً من أبواب الكسل والتواكل، فلو أن الرسول أعطاه من الصدقة لفتح بذلك الباب على مصراعيه للكسالى والمتواكلين، ولأصبحت هذه مهنتهم كما هي مهنة الكثيرين في هذا العصر، وما يرى – من أمثال هؤلاء – في الموصلات والشوارع والطرقات لأقوى دليل على ذلك، لهذا كله حرم الإسلام البطالة والكسل والركود لأن ذلك يؤدي إلى انحطاط في جميع مجالات الحياة، فإنه يؤدي إلى هبوط الإنتاج، وتخلف الأمة، وانتشار الفوضي، وكثرة المتواكلين.

إضافة إلى المذاق الغير الطبيعي للقمة العيش وخاصة إذا حصل عليها الكسول من عرق جبين غيره، فينبغي على الفرد أن يعمل ليأكل من كسب يده لأنه أفضل أنواع الكسب، فقد أخرج البخاري عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ؛ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ “.

عباد الله:

إن القلب ليحزن حينما يري الشباب وهم في أعز قواهم العقلية والجسدية ومع ذلك يفني الشباب قوته وشبابه في الفراغ وفي كل ما حرم الله تبارك وتعالي من ملاهٍ ومشارب وخمور ومجون وغير ذلك؛ ولو لم يكن الإنسان في حاجة إلى للعمل، لا هو ولا أسرته، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه، فلابد أن يأخذ منه، على قدر ما عنده. يُروى أن رجلاً مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد -رضي الله عنه- فوجده يغرس جوزة، وهو في شيخوخته وهرمه، فقال له:

أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري!! وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب، بل يعمل لنفع الأحياء، حتى الحيوان والطير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”[البخاري]. وبذلك يعم الرخاء ليشمل البلاد والعباد والطيور والدواب.

نسأل الله أن يجعل هذا البلد أمناً أماناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ؛؛

الدعاء،،،،،                                                      وأقم الصلاة،،،،،

 كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

 د / خالد بدير بدوي

 

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »